في مقابلة مع موقع "بـُكرا"، تحدث الدكتور أمين جميل أبو جبل، رئيس قسم الجراحة المجهرية والترميمية في مستشفى نهاريا، عن واقع إصابات الحروق في المجتمع، أنواعها، طرق التعامل معها، وتطور العلاجات الجراحية والتجميلية الحديثة.
الدكتور أبو جبل، وهو من مواليد مجدل شمس ومتخصص في جراحة التجميل والترميم، يشرف على قسم يعالج بشكل يومي عشرات الحالات الناتجة عن الحروق، والتي تتفاوت في شدتها وأسبابها، بدءًا من حروق السوائل الساخنة والزيوت، وصولًا إلى الحروق الكيميائية والكهربائية.
أنواع الحروق ودرجاتها
يفصّل الدكتور أبو جبل أنواع الحروق إلى أربع درجات:
الدرجة الأولى: احمرار خفيف وألم، مثل الحروق الناتجة عن الشمس. علاجها يتم غالبًا بكريمات مرطبة ومسكنة.
الدرجة الثانية: تتضمن فقدان طبقة من الجلد وظهور فقاعات، وتحتاج أحيانًا لتنويم في المستشفى وعلاج بالمضادات الحيوية والسوائل.
الدرجة الثالثة: لا يشعر بها المريض بالألم لأن الأعصاب تحترق. تتطلب تدخلًا جراحيًا مثل زراعة الجلد.
الدرجة الرابعة: أعمق أنواع الحروق، تصل إلى العضلات والعظام، وتستدعي جراحات معقدة قد تشمل زراعة أنسجة تحتوي على شرايين وأوردة.
ويؤكد د. ابو جبل ان:"المشكلة في الحروق من الدرجة الثالثة والرابعة أنها تحتاج غالبًا إلى تدخل جراحي، منها زراعة الجلد أو حتى زراعة أنسجة عميقة مع شرايين وأوردة".
"كف اليد = 1%"... كيف تُحسب مساحة الحرق؟
يوضح أبو جبل أن مساحة الحروق تُحسب استنادًا إلى "قانون الوحدة"، حيث يُمثل كف يد المريض 1% من مساحة الجسم. ويضيف: "في حال تجاوزت مساحة الحرق 10% من الجسم، يجب إدخال المريض إلى المستشفى، وبدء تعويض السوائل بشكل دقيق حسب وزنه ومساحة الإصابة".
أخطر الحروق: الكهرباء والنار
يشير أبو جبل إلى أن الحروق الكهربائية تُعد من أخطر الأنواع، خاصة تلك الناتجة عن التيارات ذات التوتر العالي، إذ يمكن أن تسبب أضرارًا داخلية بعيدة عن موضع دخول وخروج التيار. "غالبًا نُبقي المرضى تحت مراقبة حثيثة في أول 24 ساعة خوفًا من فشل كلوي مفاجئ نتيجة تحلل الأنسجة"، يقول.
أما الحروق الناتجة عن اللهب، فهي لا تقل خطورة، خصوصًا إن ترافقت مع استنشاق غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون. "هذا النوع من الحروق قد يكون قاتلًا حتى لو لم يظهر أثر خارجي واضح"، يُحذر أبو جبل.
حروق الأطفال: الأكثر عرضة والخطر الأكبر
أشار د. أبو جبل إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للحروق، خصوصًا داخل البيوت:
"نرى أطفالًا يحترقون بمياه ساخنة، أو نتيجة ملامسة أدوات كهربائية، أو حتى خلال اللعب. المشكلة أن الجلد عند الأطفال أرقّ، وبالتالي يتأذى بسرعة أكبر".
من الزراعة إلى الليزر: العلاجات المتقدمة بعد الحرق
فيما يخص العلاجات الجراحية، يوضح أبو جبل أن الحالات التي لا تُشفى تلقائيًا تُعالج بجراحات ترميمية تشمل:
زراعة الجلد: باستخدام جلد المريض نفسه أو مؤقتًا من بنك الجلد.
استخدام البالونات الجلدية: لتوسيع الجلد السليم واستعماله لاحقًا لتغطية المناطق المتضررة.
العلاج بالسيليكون: لتقليل الندوب.
الليزر والتقشير الكيميائي: لتخفيف آثار الندوب بعد التئام الجرح.
ويشدد على أن الهدف ليس إزالة الندبة تمامًا – فهذا شبه مستحيل – بل تحسين المظهر والوظيفة.
الوقاية أولًا: خطوات الإسعاف الأولي في حالات الحروق
ينصح د. أبو جبل عند التعرض لحرق أن: "أول ما يجب فعله هو تبريد المنطقة المصابة بماء بارد لمدة لا تقل عن 10 دقائق. هذا يقلل من عمق الحرق. لا نضع معجون أسنان، ولا ليمون، ولا أي خلطات شعبية – بل فقط ماء، ثم التوجه إلى الطوارئ".
ويتابع:"في الحروق الكيميائية، من المهم شطف المادة تماماً بالماء فوراً – حتى لو لم يكن هناك ألم. المواد الحامضية أو القلوية تستمر في التفاعل إن لم تُغسل جيداً".
عن الابتكارات الحديثة: زراعة جلد السمك... حقيقة أم دعاية؟
سألنا د. أبو جبل عن ما تم تداوله مؤخراً حول استخدام جلد السمك في علاج الحروق، فأجاب:"نعم، هذا ابتكار تم تجربته في بعض الدول مثل البرازيل، وله نتائج واعدة في بعض حالات الحروق السطحية. لكن لا يمكنه أن يحل محل الجلد البشري. هو فقط حلّ مؤقت لتقليل فقدان السوائل وتحفيز الشفاء".
النصيحة الأهم: الوقاية والوعي
في ختام المقابلة، يوجّه الدكتور أبو جبل رسالة للجمهور: "الحروق ليست مجرد إصابة جلدية، بل قد تُسبب إعاقات دائمة جسديًا ونفسيًا. الوقاية هي الأساس. وأي تأخير في التعامل السليم معها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة. من المهم أن يعرف كل شخص في البيت ماذا يفعل في الدقائق الأولى – فهي التي تصنع الفرق".
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق