لم تمر وفاة المخرج والممثل العربي القدير محمد بكري كخبر ثقافي أو إنساني عابر في الإعلام الإسرائيلي. خلال ساعات، تحولت الوفاة إلى ذريعة سياسية جاهزة أعادت إشعال الهجوم اليميني على إذاعة “غالي تساهل” العسكرية، بعد أن قُدّم رثاء لبكري في بث مباشر واعتبرته أوساط يمينية “تمجيدًا” لشخصية طالما أثارت جدلًا بسبب فيلمه “جنين جنين” ومواقفه السياسية.

القصة بدأت في برنامج الظهيرة على “غالي تساهل”، حين قال المذيع آدم غباي إن بكري “الممثل المحبوب والمذهل” و”من كبار الكبار”، ووجّه تعزية لعائلته. الكلمات جاءت في سياق خبر عاجل عن الوفاة، لكنها فورًا تحولت إلى مادة صدام، لأن بكري في الخطاب الرسمي الإسرائيلي يُقدَّم كخصم للجيش بسبب اتهامات متكررة له بتشويه "صورة جنود الجيش الإسرائيلي" في الفيلم المذكور، وما ترتب على ذلك من إجراءات ومحاكمات.

إدارة الإذاعة حاولت احتواء الأزمة سريعًا. في بيان رسمي قالت إن ما قيل جاء “بعفوية” أثناء بث حي، وإن المذيع لم يتطرق إلى “الصورة الكاملة”، وإنه تحدث فقط من زاوية عمل بكري كممثل في السينما والمسرح. 

فرصة للتصعيد

لكن البيان لم يوقف الهجوم. بالعكس، اليمين تعامل مع الرثاء كفرصة لتصعيد حملة جاهزة أصلًا ضد الإذاعة، خاصة أن “غالي تساهل” تواجه منذ فترة طويلة دعوات لإغلاقها أو تحجيمها. عضو الكنيست أفيحاي بوأرون كان من أوائل من قادوا التحريض، وقال إن الثناء على بكري “يكشف لماذا يجب إغلاق المحطة العسكرية”، مستعرضًا الأحكام القضائية السابقة المرتبطة بالفيلم، ومضيفًا أن أي جهة تبحث عن مبرر لإغلاق “غالي تساهل” حصلت عليه الآن.

وزير الاتصالات شلومو كرعي صعّد بدوره الخطاب، وهاجم الإذاعة بألفاظ حادة، واعتبر أن “بيت الجنود” ينعى شخصًا وصفه بأنه “داعم للإرهاب” وأنه مسؤول عن “أحد أكثر الأعمال المعادية لإسرائيل”، في محاولة واضحة لتحويل جملة رثاء إلى دليل سياسي على أن الإذاعة “خرجت عن دورها” وتستحق الإغلاق. وفي تطور لافت، دخل وزير الأمن يسرائيل كاتس على الخط ونشر فيديو يهاجم فيه الواقعة والإذاعة، ما أعطى الحملة بعدًا رسميًا على مستوى المؤسسة الأمنية، ورسالة بأن الموضوع لم يعد خلافًا إعلاميًا داخل محطة عسكرية بل ملفًا سياسيًا يستثمر لتغيير موقع الإذاعة ومستقبلها.

بهذا الشكل، لم تكن الوفاة وحدها محور القصة، بل الطريقة التي جرى فيها استغلالها: حادثة بث واحدة، تحمل بعدًا انسانيًا وثقافيًا، تحولت إلى وقود في حملة منظمة لتعزيز خطاب اليمين. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com