في حديث خاص لموقع "بكرا"، تناول الكاتب والمحلل السياسي د. جمال زحالقة التصعيد الأخير في الخطاب الإسرائيلي، خاصة حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن احتمال تنفيذ "احتلال كامل" لقطاع غزة، حيث قدّم قراءة شاملة للمشهد السياسي والعسكري الإسرائيلي، وتوقعاته للمرحلة المقبلة.
خلاف عميق بين نتنياهو والجيش حول "الاحتلال الكامل"
قال د. زحالقة إن تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن "احتلال كامل" لغزة أثارت ردود فعل واسعة داخل إسرائيل، خصوصًا بعد فشل عملية "عربات جدعون" والوقف المفاجئ لمفاوضات الصفقة المرحلية في الدوحة. وأوضح أن موقف نتنياهو خلق خلافًا كبيرًا مع قيادة الجيش، خاصة مع رئيس الأركان إيال زامير الذي عارض بشدة هذا التوجه وهدد بالاستقالة، بينما رد المقربون من نتنياهو عليه بالقول: "إذا لم يعجبه فليستقل". وأشار زحالقة إلى أن عائلات المحتجزين الإسرائيليين اعتبرت مشروع الاحتلال الكامل "حكمًا بالإعدام" على أبنائها، وأن الإعلام المقرّب من نتنياهو حاول الترويج لدعم أمريكي للمشروع، رغم أن تصريحات ترامب أظهرت تملصًا واضحًا بقوله: "لا يمكنني قول شيء بشأن احتلال غزة، الأمر يعود لإسرائيل".
الاحتلال الكامل يعني حرب استنزاف طويلة ومكلفة
أوضح د. زحالقة أن الكابينت الإسرائيلي لم يتخذ بعد قرارًا رسميًا بتنفيذ مخطط نتنياهو، وأن ما يدور الآن هو مجرد مشاورات أمنية غير ملزمة. ووفق ما تسرّب، فإن نتنياهو يدفع باتجاه احتلال المناطق التي لا يوجد فيها الجيش حاليًا، والتي تمثل ربع مساحة غزة وتضم أكثر من مليوني فلسطيني. وقال إن الاحتلال الكامل يعني سيطرة ميدانية على كل شبر من القطاع وملاحقة حماس فوق الأرض وتحتها، الأمر الذي يتطلب تحضيرات عسكرية تمتد لأسبوعين، وعمليات قتال قد تستمر أكثر من شهر، تليها سنتان من التتبع والاستهداف. وأضاف أن إسرائيل ستواصل الحرب بأي شكل، لكن الخلاف يدور حول ما إذا كانت ستقوم باجتياح شامل كما يريد نتنياهو، أم بحصار وضربات مركّزة كما يقترح زامير. ورأى أن خطة نتنياهو تبدو تهديدًا أكثر من كونها خطة للتنفيذ، لكنه نبّه إلى تحذيرات زامير من "بندقية تشيخوف"، التي قد تنفجر بمجرد رفعها، في إشارة إلى خطورة اتخاذ قرارات متهوّرة.
نتنياهو يناور لأهداف سياسية داخلية وخارجية
تطرق زحالقة إلى قرار نتنياهو بوقف مفاوضات الدوحة، مشيرًا إلى أن المواقف كانت متقاربة وكان بالإمكان التوصل إلى صفقة، لكن نتنياهو سارع إلى اتهام حماس بمسؤولية الفشل، مدعومًا بموقف أمريكي تلقائي، ضمن تفاهم مسبق مع إدارة بايدن. وأوضح أن نتنياهو، بعد أن استبعد الصفقة الشاملة طيلة أشهر، عاد ليتحدث عنها فجأة، لكن بشعار "كل شيء أو لا شيء". وسأل زحالقة: "ما هو هذا اللاشيء؟ هل هو الاحتلال الكامل كما يلمّح نتنياهو؟" وأكد أن الاحتمال الأقرب هو أن نتنياهو يمارس مراوغة وتضليلًا لتحقيق عدة أهداف: الضغط على حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية، الحفاظ على دعم اليمين المتطرف في حكومته، تحميل قيادة الجيش مسؤولية فشل الحرب، وتوفير غطاء سياسي لمواصلة القتال. كما أشار إلى أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت عن مصادر حكومية أن نتنياهو يبدو منهكًا ومحبطًا ولم يحقق الغايات التي وعد بها، ورغم ذلك ما زال يملك ورقة التصعيد الحربي، ويواصل الترويج لـ"نصر قريب".
الجيش يحذّر من مخاطر الاحتلال ويخشى العزلة الدولية
أكد د. زحالقة أن رئيس الأركان إيال زامير يعارض بشدة خطة الاحتلال الكامل، ليس فقط لأنها تهديد، بل لأنه يخشى أن تتحوّل إلى واقع. وأضاف أن الجيش يرى أن اجتياح مناطق يُعتقد بوجود المحتجزين فيها قد يؤدي إلى مقتلهم تحت الأنقاض، وأن زامير لا يريد تحمّل هذه المسؤولية. كما يرى أن الجيش غير مهيأ لعملية واسعة بهذا الحجم، فالوحدات النظامية مرهقة والاحتياط منهك، وهناك تهرب من المثول للخدمة، إضافة إلى الخشية من خسائر بشرية كبيرة، والدخول في حرب استنزاف طويلة. وأشار زحالقة إلى أن الاحتلال الكامل يعني تحمّل مسؤولية الحياة اليومية لأكثر من مليوني فلسطيني، من غذاء وماء وكهرباء وصحة وسكن، وهو ما يحتاج إلى ميزانيات ضخمة تصل إلى 10 مليارات دولار سنويًا. كما نبّه إلى أن هذه الخطوة ستزيد من عزلة إسرائيل عالميًا، وقد تؤدي إلى عقوبات، بل وملاحقات في المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة وجنود الجيش بسبب جرائم محتملة في المناطق المأهولة.
أربعة سيناريوهات أمام إسرائيل... ولا مبادرة لوقف الحرب
في ختام حديثه، قال زحالقة إن القيادة الإسرائيلية تجد نفسها أمام أربعة سيناريوهات بعد فشل عملية "عربات جدعون" ومفاوضات الدوحة: الأول هو التصعيد في مستوى متوسط بين العدوان الحالي والاحتلال الكامل، الثاني العودة إلى مفاوضات الصفقة الجزئية، الثالث الدخول في مفاوضات حول صفقة شاملة، والرابع وقف الحرب من طرف واحد وربط الإعمار بنزع سلاح حماس، كما اقترح الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري. وأشار إلى أن السيناريو الأقرب هو تصعيد يتجاوز "عربات جدعون" دون أن يصل إلى الاحتلال الكامل، وهو ما قد يشكل تسوية داخلية بين نتنياهو وزامير. وختم زحالقة بتوجيه سؤال حاسم: "متى ستتحرك الأنظمة العربية والنظام الفلسطيني الرسمي؟"، مؤكدًا أن دعم غزة قد يكون له ثمن على مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن إنقاذ غزة يستحق هذا الثمن دون شك.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق