في عالمٍ تمزّقه الحروب الدمويّة العنيفة -ليس فقط في إسرائيل- تتّضح أكثر فأكثر حقيقة أنّ النساء شبه مغيّبات عن مواقع وساحات اتّخاذ القرارات، لا سيّما في كلّ ما يتعلّق بالمفاوضات الرامية لإنهاء الصراعات وتحقيق السلام. بهدف رفع الوعي حول أهمّيّة دمج النساء في العمل الدبلوماسي والإجراءات السياسيّة والمسارات الدوليّة، خصّصت الأمم المتّحدة يومًا عالميًّا دوليًّا تحت عنوان "اليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي"، والّذي يُصادف في الرابع والعشرين من حزيران كلّ عام.

قبل نحو 25 عامًا، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة القرار التاريخي رقم 1325، دعا من خلاله إلى ضمان تمثيل النساء من مختلف المجموعات والقطاعات السكّانيّة في مواقع اتّخاذ القرارات، وذلك في قضايا الأمن والسلام، إضافة إلى حمايتهن والدفاع عنهن من كافّة أشكال العنف، إلى جانب تذويت الرؤية والفكر الجندري في نقاشات قضايا الأمن والسلام. وقد كانت إسرائيل من أوائل الدول الّتي أدرجت بنودًا من هذا القرار في تشريعاتها منذ عام 2005، بل وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حين التزمت بترتيب خطّة عمل لتنفيذه، صودق عليها في قرار حكومي تاريخي عام 2014. لكن، ورغم أنّنا اليوم في منتصف عام 2025، إلّا أنّ تنفيذ هذا القرار ما يزال مغيّبًا. وأكثر من ذلك، يكشف الواقع عن عشرات النماذج الّتي تثبت عكس ما نصّ عليه هذا القرار، سواءً من خلال قمع أصوات النساء، أو إقصائهن عن دوائر اتّخاذ القرارات.

من المهم والضروري أن نتذكّر دائمًا بأنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة هو هيئة أُنشِئَت بهدف تعزيز السلام والسعي لحلّ الصراعات، وهذه أيضًا الغاية الجوهريّة من القرار 1325، حيث أنّ إشراك النساء في مواقع اتّخاذ القرارات في قضايا الأمن والسلام يُسهِم في تعزيز حلول للصراعات. كما أنّ تذويت الرؤية والفكر الجندري في اتّفاقيات السلام يجعلها أكثر استدامة وطويلة الأمد، كونها تأخذ بعين الاعتبار كافّة الاحتياجات الإنسانيّة المختلفة للنساء والرجال في مناطق الصراع، وهي غير محصورة فقط في قضايا العنف والأسلحة والتدابير الأمنيّة. تؤكّد الدراسات أنّ إشراك النساء في مفاوضات السلام، يزيد من احتماليّة صمود الاتّفاق لمدّة لا تقل عن 15 عامًا بنسبة تصل إلى 35%.

أثبتت تجارب دول وشعوب أخرى واجهت صراعات دمويّة وحروبًا طويلة الأمد، أنّ النساء قادرات على خلق دبلوماسيّة أخرى بديلة، وأن يكنّ مفتاحًا للتغيير ومحرّكات للسلام في صراعات دمويّة قاسية امتدّت لعشرات السنين. في إيرلندا الشماليّة على سبيل المثال، ساهمت النساء مساهمة جدّيّة في إنهاء الصراع الدامي، وقد كُنّ الوحيدات اللاتي مثّلْنَ كلا الجانبَيْن المتنازعَيْن على طاولة المفاوضات، وكَسَرْنَ بالتالي الثنائيّة الصارمة المتصلّبة بين الطرفَيْن المتخاصمَيْن، وفتحنَ المجال لرؤية أخرى مغايرة. وفي الفلبّين أيضًا، أظهرت النساء اللاتي أنهَيْنَ الصراع هناك قدرات استثنائيّة لافتة على خلق مبادرات تنطلق من رحم المجتمع الأهلي (مثل "مناطق السلام" الّتي يُمنَع فيها إدخال السلاح، أو إعلانات وقف إطلاق النار خلال الأعياد)، وكثيرًا ما كانت تتوسّع، إلى أن تتبنّاها الدولة وتتحوّل إلى أمرٍ واقع. أمّا النساء اللاتي ساهمْنَ في إنهاء الصراع في كولومبيا، فقد تعلّمنا منهن أهمّيّة وضرورة جمع شهادات لنساء تعرّضْنَ لانتهاكات، وشهادات توثّق احتياجاتهن ورؤيتهن للحل، وقد شكّلت هذه الشهادات أساسًا لسيرورة السلام في كولومبيا، وأقنعت الجميع بضرورة تحقيق السلام، ووجوب تذويت الرؤية والفكر الجندري فيه.

هنا في إسرائيل، يبدو أنّ صناع السياسات على مرّ السنين لم يُدركوا بعمق الحاجة إلى تنفيذ وتذويت القرار 1325. أكثر من مئة دولة في العالم نشرت خطّة عمل لتنفيذ القرار، إلّا أنّ إسرائيل لم تُعِدّ خطّة كهذه حتّى اللحظة، رغم التزامها بذلك في قرار حكومي صادر عام 2014. حتّى حكومة "التغيير" الّتي بدأت بخطوات نحو إعداد خطّة تنفيذ، تراجعت في نهاية المطاف إلى خطّة تتهرّب من جوهر القرار، ولا تتناول موضوع الصراع أصلًا. اليوم بات واضحًا أكثر من أيّ وقتٍ مضى: ينقصنا تمثيل نسائي في مواقع اتّخاذ القرارات وفي السيرورات السياسيّة والدوليّة. ينقصنا رؤية وفكر جندري وإنساني في اتّخاذ القرارات وصنع السياسات، وتنقصنا آليّات فاعلة لحماية النساء والدفاع عنهن في إسرائيل وفي الضفة الغربيّة وغزّة. كما وينقصنا صوت واضح من المجتمع الدولي ومن الجهات الوسيطة، يؤكّد بوضوح أنّ مشاركة النساء حول طاولات اتّخاذ القرارات ليس خيارًا ولا ترفًا، بل هو واجب وضرورة لا يمكن إغفالها.

أثبتت التجربة العالميّة أنّ تمثيل النساء من مجموعات سكّانيّة متنوّعة يمكن أن يؤدّي إلى خلق حلول إبداعيّة، وإلى استجابة حقيقيّة للاحتياجات المختلفة، ممّا يُسهِم في معالجة جذور الصراع، والتوصّل إلى حلول مستدامة. اليوم، وبعد أكثر من سنةٍ ونصف على الحرب، ومرور 25 عامًا على القرار 1325، بات من الضروري أن نفهم أنّ التمثيل العادل والمتكافئ لمختلف أصوات النساء، ليس فقط أمرًا مستحبًّا، بل هو المفتاح للخروج من الطريق المسدود الّذي علقنا فيه.

الكاتبة هي المديرة العّامة الشريكة في جمعيّة إيتاخ مَعَكِ – حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعيّة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com