تُعاني فلسطين من أزمة اقتصادية عميقة ناتجة عن مجموعة من العوامل المعقدة، أبرزها السياسات الإسرائيلية المتواصلة منذ نكسة عام 1967م. هذه السياسات أدت إلى استمرار تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، مما فاقم من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المحلي وأدى إلى ضعف كبير في العديد من القطاعات. في لقاء مع موقع "بكرا"، تحدث الدكتور حسين الديك، الباحث الاقتصادي والسياسي، عن واقع الاقتصاد الفلسطيني ومشكلاته البنيوية، مشيرًا إلى العديد من التحديات التي تواجهه.
إسرائيل وسياساتها العدوانية تدمّر الاقتصاد الفلسطيني
يُوضح الدكتور حسين الديك أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من اختلالات هيكلية عميقة، تعود إلى سياسات إسرائيلية تفرض قيودًا شديدة على الاقتصاد الفلسطيني. كما أن الحصار المفروض على الضفة الغربية، إلى جانب إغلاق الطرق، ونقل الحواجز العسكرية، وعرقلة حركة التجارة والأفراد، قد أسهمت بشكل كبير في تدمير البنية التحتية الاقتصادية. على سبيل المثال، تسببت هذه الإجراءات في عرقلة وصول المواد الخام إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أثر سلبًا على قطاعات الصناعة، التجارة، والسياحة، بل وأسهم في إغلاق العديد من المشاريع الاقتصادية. إلى جانب ذلك، يُشير الديك إلى أن إسرائيل عملت على تدمير قدرة القطاع الخاص الفلسطيني، مما أدى إلى هجرة العديد من المستثمرين ونقل مشاريعهم إلى خارج فلسطين.
تدهور الدعم الدولي وتأثيره على الاقتصاد الفلسطيني
عندما نتحدث عن المساعدات الدولية، فإن الوضع لا يبدو أفضل. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي في عام 2025 عن حزمة مساعدات تصل إلى 1.6 مليار يورو لدعم الاقتصاد الفلسطيني بين عامي 2025 و2027. ورغم ذلك، يرى الديك أن هذه المساعدات لن تكون كافية لحل الأزمة الاقتصادية الفلسطينية التي تفاقمت بفعل السياسات الإسرائيلية. وفي عام 2023، انخفض دعم المانحين إلى أقل مستوى له منذ عام 2008، ليصل إلى 358 مليون دولار أمريكي فقط، وهو ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، مقارنة بـ 27% في عام 2008. هذا التراجع في الدعم جعل من الصعب على الحكومة الفلسطينية الوفاء بالتزاماتها المالية، مما أدى إلى عجز كبير في الموازنة العامة وتزايد الديون.
قرصنة الأموال الفلسطينية والآثار المدمرة على الاقتصاد
إلى جانب انخفاض المساعدات الخارجية، تُظهر الإحصائيات أن إسرائيل قد صعدت من عمليات خصم الإيرادات الفلسطينية وحجبها، مما أثر على قدرة الحكومة الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها. منذ أكتوبر 2023، وصل حجم هذه الخصومات إلى أكثر من 1.4 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني في عام 2023. هذا الوضع أضاف مزيدًا من الضغوط على الحكومة الفلسطينية، إذ تعذّر عليها سداد مستحقات الموردين، وتراكمت الديون، مما أثر بشكل مباشر على تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وزاد من معاناة الفقراء في المجتمع الفلسطيني.
الختام: الاقتصاد الفلسطيني في مفترق الطرق
لقد وصل الاقتصاد الفلسطيني إلى مرحلة من التدهور الاقتصادي لم يشهدها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، حيث شهد تراجعًا حادًا في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة. ورغم التقدم في بعض السياسات الاقتصادية وتحسين الحوكمة من قبل السلطة الفلسطينية، إلا أن الأوضاع السياسية المهيمنة على الاقتصاد الفلسطيني جعلت من الصعب تحقيق أي استقرار اقتصادي حقيقي. في ظل الأزمات المتعددة، من السياسات الإسرائيلية إلى تراجع الدعم الدولي، يبدو أن الطريق إلى تعافي الاقتصاد الفلسطيني لا يزال طويلاً، ويحتاج إلى حلول جذرية وعاجلة.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق