منذ توليه منصب وزير الأمن القومي، يشهد المجتمع العربي في إسرائيل انفجارًا غير مسبوق في معدلات الجريمة، وسط اتهامات مباشرة لإيتمار بن غفير بتقويض جهاز الشرطة وتحويله إلى أداة سياسية عاجزة عن مواجهة موجة العنف.
وفق معطيات مركز "مبادرات إبراهيم"، قُتل منذ بداية عام 2025 وحتى منتصف نيسان 76 مواطنًا عربيًا، بزيادة تبلغ نحو 50% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبما يقارب ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2022، أي قبل تولي بن غفير المنصب. هذه الزيادة الحادة لا تُقرأ كأرقام فقط، بل كدليل على انهيار الثقة بجهاز إنفاذ القانون، الذي بات، بحسب مسؤولين ومراقبين، منشغلًا بالولاء السياسي بدل حماية المواطنين.
في ربع العام الأول فقط، سُجل مقتل 60 عربيًا في جرائم عنف، مقارنة بـ22 فقط في نفس الفترة من عام 2022، ما يعادل قفزة بنسبة 172%. وفي الأسبوعين الأولين من الربع الثاني لهذا العام، سقط 16 قتيلًا آخر. رغم التصعيد، لا تُقابل هذه الجرائم بتفكيك للشبكات أو محاسبة جادة، بل بإهمال ممنهج.
ينال جبارين، مدير العلاقات الحكومية في "مبادرات إبراهيم"، يقول إن الوزارة في عهد بن غفير "لا تنصت، لا تتحرك، ولا ترى في العرب مواطنين متساوي الحقوق". وأضاف أن "محاولات الحوار مع الوزير حاييم كاتس – الذي شغل المنصب مؤقتًا – أفضت لبعض التحركات، لكن مع بن غفير، لا توجد قناة واحدة مفتوحة. وزير يُشجع الفوضى بدل محاربتها".
تسييس جهاز الشرطة
كبار الضباط المتقاعدين في الشرطة يربطون بين سياسات بن غفير وتفكك الجهاز. فهم يتحدثون عن ثقافة تنظيمية جديدة تُكافئ الولاء السياسي لا المهنية، وعن تراجع الانضباط الداخلي. وتشير التقارير إلى أن جزءًا من أسباب الشلل في التحقيقات هو هذا التسييس المتزايد، الذي أعاق قدرة الشرطة على العمل الميداني بفعالية، خاصة في البلدات العربية.
وفي مذكرة رسمية أرسلها مركز "مبادرات إبراهيم" إلى لجنة الأمن القومي في الكنيست، ورد: "الجرائم ليست سوى رأس جبل الجليد. الجريمة المنظمة سيطرت على الاقتصاد المحلي، وأصبح إطلاق النار والابتزاز مشاهد يومية. هذه نتيجة مباشرة لفشل الشرطة، ليس فقط بسبب عجزها المهني، بل بسبب سياسة إقصاء وتمييز مُمأسسة ضد المواطنين العرب".
إهمال سياسي وأثمان إنسانية
تراجعت البرامج الحكومية التي كانت تهدف إلى مكافحة الجريمة وتعزيز التنمية في المجتمع العربي، وتعرضت الميزانيات المخصصة للقصّ والتقليص. وبحسب المذكرة، فإن الحكومة الحالية، بوزيرها بن غفير، سحبت الدعم المؤسسي لهذه الجهود، في تخلٍّ صريح عن مسؤولياتها.
ينال جبارين، الذي فقد ابن عمّه محمود جبارين – الشاب الذي قُتل أثناء إعداد طعام الإفطار في أم الفحم – يؤكد أن الشرطة لم تحقق بجدية. "جاءوا في اليوم الأول لأخذ إفادات، ومنذ ذلك الحين لم نسمع شيئًا. معظم الجرائم لا تُفكك، وهذا هو لبّ الأزمة: غياب الردع، غياب العدالة، غياب الدولة".
ورغم أن الشرطة ترد في بياناتها بأنها ضبطت أسلحة واعتقلت مشبوهين، إلا أن الواقع اليومي يروي قصة مختلفة: عرب يُقتلون في الشوارع، وعائلات تُدفن أبناءها بلا معرفة من قتلهم ولماذا. وكلما ارتفعت الحصيلة، تراجع الأمل.
بين الشعارات والدماء
بينما يظهر بن غفير مرارًا في معارض الأسلحة ويوجه انتقادات قاسية للجهاز القضائي والإعلام، تتساقط الضحايا في المجتمع العربي يومًا بعد يوم. وهو، كما يرى كثيرون، لا يكتفي بالتقاعس، بل يُغذي الخطاب العنصري الذي يبرر هذا الإهمال.
في ظل هذه السياسات، لا يبدو أن الأمن في البلدات العربية يتحسن، بل العكس تمامًا. وبينما تتعالى أصوات الغضب والمطالبة بمحاسبة سياسية ومهنية، تبقى حياة المواطنين العرب مرهونة بمزاج وزير، يرى فيهم خصومًا لا مواطنين.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق